القرن الأفريقى – الجزء الثانى
يخطىء من يظن أن ذاكرة التاريخ تنام ، فهى إن نامت لفترة ، تصحوا الذاكرة مهما طال الزمن وتتوالى الحقائق فى الظهور بعد ذلك تباعاً. ما يحدث الآن من التطبيل والتزمير لأجندة إثيوبيا التوسعية من قبل عملاء إثيوبيا وجواسيسها من المحسوبين على الجسم الارترى ، ما هو إلا نسخة معادة لتاريخ العناصر المتساقطة من بقيايا تنظيمات ” الجبهة البائدة “التى ارتبطت فى مرحلة الثورة بنظام الدرق .
منذ إندلاع الثورة فى الفاتح من سبتمبر عام 1961 ، برزت ظاهرة العملاء ، وأصبحت إثيوبيا منذ ذلك التاريخ تنشط وتعمل على تجنيد عيون لها داخل الثورة ، ومن المواطنين الارترين فى المدن والقرى الارترية – بهدف تحقيق التفوق في المواجهة ضد الثوار وتضييق الخناق على الثورة الإرترية .ويشهد تاريخ الصراع الارترى – الإثيوبى بشكل عام ، والصراع الارترى – الإرترى فى مرحلة الثورة بشكل خاص، على أن إثيوبيا فى عهد نظام الأمبراطور هيلى سلاسى – ونظام الدرق ، وظفت جهوداً وطاقات كبيرة من أجل تجنيد أكبر عدد ممكن من الارتريين للعمل لصالح اجهزتها الاستخبارية ، ومدها بالمعلومات التي تساعدها في توجيه ضربات قاصمة للثوار.
وتؤكد الاحكام التي اصدرتها الثورة بحق العشرات من عملاء وجوسيس إثيوبيا فى تلك الفترة ،أنه بدون المعلومات التي كان يقدمها العملاء للعدو لما كان بوسع الجيش الإثيوبى تنفيذ أياً من عمليات الإبادة الجماعية وحرق القرى الآمنة فى تلك الفترة ، فضلاً عن تنفيذ عمليات الاختطاف والاعتقال التي كان يتعرض لها الارتريون داخل المدن الارترية. وهذا ما تؤكده وثائق ” جهاز المخابرات الإثيوبية التى أشرنا اليها فى الحلقة الأولى – وهو الجهاز الذى كان يتولى بشكل أساسي مهمة تجنيد وتوظيف العملاء من الارتريين فى مرحلة الثورة ، بعض الجنرالات والضباط من بقايا نظام الدرق الذين تباهوا فى ثمانيات القرن الماضى بقدرتهم على توظيف العملاء الارتريين في محاربة الثورة . وأشرفوا على تسليح مليشيات” الجبهة ” بقيايادة ” دنباى ” هم الذين يشرفون اليوم فى عهد نظام الويانى على ملف ما يسمى بــ ” تنظيمات المعارضة الارترية ” مع تغيير طفيف فى الوجوه والأدوار – حيث يقوم المدعو ، محمد طه توكل بدور عجيل عبدالرحمن – والمدعو حسين خليفة ، بدور دمباى آدم ، الدكتور / يوسف برهانو بدور الملازم ثانى على إدريس لباب –
ويزخر كتاب ” الثورة الارترية الدفع والتردى “، الذي ألفه المناضل الأمين محمد سعيد ،– والذي صدر بعد إستقلال ارتريا فى سبتمبر 1992 – بالمعلومات التاريخية القيمة التي تعكس حجم المساهمة الهائلة للعملاء في تسهيل عمليات جيش ومخابرات االعدو الإثيوبى .
حيث كان للعملاء دوماً أثر في إثارة الفتن الداخلية بين الارتريين ، فضلاً عن تداول الشائعات التي هي جزء من الحرب النفسية التي كانت وما تزال تخوضها إثيوبيا ضد الشعب الارترى .
آليات التجنيد .. نقلاً من كتاب الدفع والتردى ص: 315
لم يكتفى عجيل عبدالرحمن بتوثيق روابطه بالاستخبارات الإثيوبية، بل زاد من توثيق علاقته بمجموعة عبدالله إدريس ، ففى إحدى المرات كتب رسالة الى عبدالله إدريس باللغتين العربية والإنجليزية يوضح له فيها بأنه كان قد أرسل اليه بعض العناصر للقاء به وإن التفاهم كان أخوياً للغاية ، وإنه يرغب فى أن يتم بينهما لقاء على مستوى شخصى ليتم بذلك تعزيز الروابط ، وأختتم عجيل عبدالرحمن رسالته الى عبدالله إدريس قائلا بأن دمباى آدم سوف يتولى ترتيب اللقاء فى ضواحى أغردات وعبر له عن تلهفه لتلقى رده الإجابى .
وهناك رسالة أخرى تفضح طبيعة العلاقة التى كانت قائمة بين كل من مجموعة عبدالله إدريس وجهاز الإستخبارات الاثيوبى ، فقد كتب الملازم طلاهون أسرات قائد شرطة إقليم بركة ، رسالة الى قائد مركز شرطة ارتريا البريجادير جنرال تاييه بعل خير يوضهله فيها جهود عجيل عبدالرحمن المبكرة فى مجال اللقاءات التى عقدها مع مجموعة عبدالله إدريس .
يوضح الملازم طلاهون بأن العلاقة قد بدأت فى منتصف 1985 م وذلك عندما كان عجيل عبدالرجمن حاكما لإقليم بركة . إذ استدعى عجيل فى تلك الفترة الى منزله الملازم ثانى على إدريس لباب ” كان مقاتلاً فى جبهة التحرير الارترية ” وطرح عليه سؤالاً حول إمكانية إنشاء علاقة تعاون مع احد عناصر مجموعة عبدالله إدريس الذى كان يتحرك فى ضواحى أغردات والذى يدعى محمد آدم موسى ، وقد أوضح على إدريس لباب لعجيل بأنه سوف يبذل كل ما بوسعه لتأسيس العلاقة المطلوبة وتمتينها ، خاصة حين يشارك فيها عجيل عبدالرحمن بجهده، ارسل الملازم ثانى على إدريس لباب شقيقه الأكبر محمد إدريس لباب ليلتقى بمحمد آدم موسى ، ويحدد له موعداً للقاء به ، وبعد أحد عشر يوماً تم اللقاء حسب ما اتفق عليه فى قرية حلاتا بضوحى أغردات بين الملازم ثانى على إدريس لباب ومحمد آدم موسى ، فى هذا اللقاء الذى استمر ساعتين أوضح الملازم ثانى على إدريس لباب قائلاً ” لقد قسمت ارتريا عملياً الى ثلاثة أجزاء . وان الجزء الأكبر يخضع لسيطرة الجيش الثورى الإثيوبى ، بنما تتقاسم الجبهة الشعبية وجبهة التحرير على ما تبقى. ومن هنا فإنه لم يكن من المجدى أن تحارب مجموعة عبدالله إدريس الحكومة الإثيوبية .
وأضاف الملازم ثانى لمحمد آدم موسى قائلاً : ” إن الحكومة الاثيوبية تساعد وتهتم بأسر الجنود الذين يموتون فى المعارك ، وانه هو شخصياً نادم على الوقت الذى اضاعه مع جبهة التحرير الارترية ، إذ انه يعيش الآن فى وضع جيد بين أحضان إثيوبيا .
وفى الأخير طلب من محمد آدم موسى بأن يخلق الظروف التى تمكن من الوصول الى اتفاق مع كبار قادة الجبهة ، وان يقوم بتسليم نفسه الى السلطات الإثيوبية ويعيش فى أمان تحت رعايتها .
ورد عليه محمد آدم موسى بشكل إستسلامى قائلاً : إن النضال الذى يخاض حتى اليوم لم يحقق أى ثمرة وليس هو الإ صراع تنافسى . وان مسؤولى الجبهة لا يريدون لهذه الحرب أن تتوقف وذلك طمعاً فى الحصول على الأموال التى تقدم كمساعدات لدعم نضال الشعب الارترى وانهم ” أى ” القيادة ” لا يكتوون بنار الحرب لأنهم يعيشون فى الخارج . ولذلك سوف أبذل قصارى جهدى لإقناع مسؤولى الجبهة الذين بقيمون فى الداخل والخارج بهذه الفكرة ، وبعدها سوف أقوم بتسليم نفسى للسلطات الإثيوبية .
بعد أربعة أشهر من هذا اللقاء إلتقى مرة ثانية الملازم ثانى على إدريس بمحمد آدم موسى فى قرية عدى طحاى بضواحى أغردات . فى هذا اللقاء أوضح محمد آدم موسى بأنه التقى بقيادة وقواعد الجبهة ، وافهمهم بشكل تفصيلى بأن إثيوبيا مستعدة بأن تمدهم بما يحتاجون من سلاح ومؤن وإنها لن تتعرض لهم بأى عمل عسكرى ، وأن محاربة الجبهة الشعبية عبر التعاون والتنسيق مع إثيوبيا سوف تحقق نتائج أفضل ، وانه متفائل للغاية .
إثر هذا اللقاء أبلغ الملازم ثانى على إدريس لباب دمباى آدم والذى حل محل عجيل عبدالرحمن بمحتوى ما دار بينه وبين محمد آدم موسى ، وبدروه قام دمباى آدم بنقلها الى العميد يماتا مسكر وسليمان عباسى . وبعد ثلاثة أيام من هذا إستضاف دمباى آدم فى منزله بأغردات كل من محمد آدم موسى وداود عثمان وآمراى إدريس وثلاثتهم من مجموعة عبدالله إدريس .
يتبع